لا يوجد تفاهم بيني وبين زوجي.. فهل أطلب الطلاق؟

لا يوجد تفاهم بيني وبين زوجي.. فهل أطلب الطلاق؟


أ. عائشة الحكمي



السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أُعاني مِن مُشكلةٍ مع زوجي، وأرجو منكم مساعدتي وتقديم النصيحة لي.
تزوجتُ منذ أشهرٍ، وأنا حامل الآن، وأُحِبُّ زوجي كثيرًا، وقد تحدَّيتُ جميع أهلي ووافقتُ عليه، مع أنه يكبرني بسنين كثيرةٍ، وهو مطلِّق ولديه طفلة، وجميع أهلي وأقاربي عارضوني، وألقَوْا عليَّ باللوم بسبب اختياري له.
تزوَّجْتُه وسافَرْنا إلى بلدٍ عربيٍّ، واعتقدتُ - في بداية الأمر - أنَّ زوجي رجلٌ يَعْتَمِد على نفسِه، ويأخذ قراراته مِنْ تِلْقاءِ نفسه، وأن الأمورَ الخاصة بنا سوف تظلُّ بيننا، ولكني اكتشفتُ بعد الزواج عكْس ذلك تمامًا؛ فكلُّ شيءٍ يُريد أن يفعلَه يَستَشِير فيه أمه، وأي شيء أقوله له أو أفعله يتَّصِل بها ويخبرها، أو يخبر إخوته! ودائمًا يشْكو منِّي بأنني أستفزُّه، كما أنه يهمِّشني في المعامَلة بسبب صِغَر سني، ويدَّعي أنه أكبر وأَوْعَى، وأفهم مني، وأكتشف دائمًا أنه يفضح سِرَّنا، ولو حصل بيننا سوء تفاهُم يلجأ لأهلي أو أهله، ويشتكي مني!
تعبتُ جدًّا مِن هذا الأُسلوب؛ لأنه يفضح أسرارَ بيتنا، وهو عصَبيٌّ جدًّا، ولا يَتَحَمَّل مني كلمة حق، وعندما أقول له: أنت غلطان؛ يتعصَّب عليَّ، ويحاول افتعال مشكلة، كل كلمة نقولها بيننا أكتشفُ أن أمَّه وإخوته وأخواته يعلمون بها!
أمه تُظهِر لي أنها تحبُّني، لكنها تقول عني في غيابي كلامًا سيئًا، وله أختٌ متزوِّجة، دائمًا ما تشتكي لي منه، ومِن تصرُّفاته السيئة مع زوجتِه الأولى، وأنه يعاملني كما كان يُعاملها؛ أي: إني - بمعنى الكلمة - لن أطيل البقاء عنده، وسوف يبيعني في أي وقتٍ!
مُشكلتي أني أكره الكذب، وهو دائمًا يكذب عليَّ، ويقول لي أمرًا، وأكتشفُ أنه عكس ذلك تمامًا، لا يُريد أن يشركني في حياته مع أهله! دائمًا ما يقول لي: لا تنشغلي بأمرنا، ويريد مني دائمًا أن أتحدَّث معه، وأفتح مواضيع للنِّقاش، مع أن نقاشي لا يُعجِبه، ويعتبره استفزازًا!
أفكِّر في الانفصال؛ لسوء معاملته لي.

أشيروا عليَّ، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب
بسم الله الموفِّق للصواب
وهو المُسْتَعان

أيتها العزيزة، لم أنصرفْ عن رأيي الذي كنتُ أرتَئِي في كل كذَّاب جعل الكذب وسيلتَه لبلوغ مراميه! فكيف إذا جَمَع إلى كذبِه سرعةَ غضبه، وقلَّة عقله؟! ومع ذلك أدعوكِ إلى الصبر الجميل - وتركِ التعجُّل في اتخاذ قرارٍ مصيريٍّ كالطلاق - إلى أن يحينَ موْعِد ولادتِك، وأنت ترفلين في ثوب السلامة والعافية، ويختفي أثر العامل الهرموني الواضح في طريقةِ تفكيركِ ومزاجكِ ونفسيتكِ، كما أنَّ مِن شأن وجود طفلٍ جميل بينكما أن يكونَ سببًا في إنضاجِ هذه العَلاقة الفجَّة، ولعل فكرتَكِ بشأن الطلاق أن تتغيَّر بعد ولادة الطفلِ؛ لذلك أرجو منكِ أن تُؤجِّلي التفكير في الطلاق حتى تَلِدِي وتُرضِعي ابنكِ، وتصحِّحي عَلاقتكِ بزوجكِ.
أنصحكِ الآن بتغييرِ بعض الأمور في نفسكِ، والتي تؤثِّر سلبًا على عَلاقتكِ بزوجكِ، ومِن ذلك:
أولًا: تقولين: إنَّ زوجَكِ رجلٌ عصبي، حارُّ المزاج، سريع الغضب، ثم كرَّرتِ أن طريقة تعامُلكِ تستفزُّه، وتضرم أعصابه، فلم تصرِّين بعد ذلك على استعمال الأسلوب نفسه مع زوجكِ رغم فشله؟! لو أوقدتِ تحت قِدْرِك وقيدًا ساطعًا، وعلمتِ بالتجربة والملاحظة أن الماءَ سينشفُ والطعام سيحترقُ، فهل ستستمرِّين في وَضْع القِدْر فوق نار ساطعة؟ أو تضعينها فوق نارٍ ليِّنة تنضج طبيخَكِ بدون أن تحرقه؟! هكذا الأمر في الحياة الزوجية، لا بد من التخلِّي عن طرُق التعامل اليومية التي أثبتتْ خطأها في علاجِ المشكلات، ونجرِّب غيرها من الطرُق الصحيحة! وما دمتِ تعلمين اليوم أن زوجكِ رجلٌ عصبيٌّ، فلا تقولي له: "أنت الغلطان" هكذا، وكأنما تحدِّثين شخصًا لا يهمُّك شعوره! ولكن أشعريه بخطَئِه بطريقةٍ غير مباشرةٍ، تدفعه إلى الاعتراف بخطَئِه، والاعتذار إليكِ، بدلًا من التشكِّي منكِ عند أهلكِ وأهله!
ثانيًا: حين يطلب منكِ زوجُكِ فتْحَ مَواضيع للحوار والنقاش؛ فكوني ذكيةً في تخيُّر المواضيع المناسبة للحوار، وليكنْ همُّك إسعادَ زوجكِ بمطارحة الكلام معه، وليس إظهار مهاراتِكِ الحوارية، أو سَعَة معلوماتك الثقافية، أو إثبات آرائك الشخصية! فليس هذا هو غرضَ الحوار الزوجي خارج مواضيع الحياة الزوجية؛ إذ ليس المقصودُ من الحوار تسديدَ السهام وإصابة الغرَض، بل تقوية العَلاقات والاستمتاع بقضاء الوقت معًا!
ثالثًا: ما لكِ وقصص أهله ومشكلاتهم؟! دَعِيهم واستريحي! في المقابلِ احرِصي أنتِ أيضًا على أسرار أسرتكِ ومشكلاتهم، ولا تنقلِيها إلى زوجكِ!
أما معايبُ زوجكِ، فليس مِن حلٍّ لتجنُّبها وتصحيحِها غير الحوار اللطيف، والمصارحة المشبعة بالحنان؛ لذلك آملُ منكِ النظرَ في استشارة: "الحوار مفقود بيني وبين زوجي" للأهميةِ، وإذا استطعتِ خلال هذا الوقت معرفةَ أسباب طلاق زوجتِه الأولى من طرفٍ محايد وعادل، لا يهدف من وراء إخباركِ هدمَ بيتكِ؛ فلسوف يساعدكِ الأمر على اتخاذ قرارٍ مناسب، مع أن معرفةَ الجواب عن مثل هذا السؤال تأخَّرتْ كثيرًا! وكان يفترضُ بك السؤال عن ذلك قبل التورُّط في الزواج من هذا الرجل! ولكن قدر الله وما شاء فعل.
في آخر الأمر، يجب أن تتحمَّلي مسؤولية اختياركِ؛ فأنتِ شابَّة صغيرة في السنِّ، وليس ثَمَّة دافع مُقنِع يدفع بفتاة مثلكِ لأن تتزوَّج برجلٍ مُطلِّق أسنّ منها بسنين عديدة، ويَعِيش في بلدٍ غير بلدها! والحق أن فارق السن الكبير بينكما قد ألقى بظلاله الموحشة على عَلاقتكما الزوجية؛ ففارق السنِّ ليس فارقًا في العمر وحسب، ولكنه فارق في التفكير، والنفسية، والشخصية، والحياة البيئية، والتجارب الاجتماعية، وفارق في العصر والجيل والزمن أيضًا! كما أن التشبُّث بالأفكار الشخصية مِن أجل تسيير دفة السفينة الزوجية لا يحلُّ المشكلات العميقة؛ فأنت لستِ مستشارةً أسرية لتعرفي الأصلح والأنفع لاستقرار دعائم بيت الزوجية! كما أن طريقة تعاملكِ مع زوجكِ تُظهر لي عدمَ نُضجكِ لتحمُّل مسؤولية الزواج مِن رجل مطلِّق! فلا تتَّكِلي على نضجكِ الجسَدي، أو قناعاتك الشخصية بأنك قد فهمتِ الحياة؛ لأنكِ حين أصررتِ على إثبات ذلك، وأنك فتاة ناضجة، فهمت الناس والحياة، وعَرَفت المناسب من غير المناسب؛ جاء اختبار الحياة ليُثبِت للناس ولأهلكِ الذين عارضوا فكرةَ زواجكِ من هذا الرجل أنكِ لم تفهمي الحياة بعدُ! وأن الحياة الزوجية جدّ مختلفة عن العالم الافتراضي في الإنترنت، أو العالم الخيالي في أحلامكِ السعيدة!
اعتني الآن بصحتكِ النفسية والجسدية، فكلُّ ما تفعلينه بنفسكِ سيؤثِّر سلبًا على جنينِكِ، وقد يتسبَّب هذا الضغط النفسي الكبير في ولادةٍ مبكِّرة ومتعسِّرة، ولا تنسي أن تهتمِّي بتثقيف نفسكِ تربويًّا، راجية ألَّا تصور لكِ نفسكِ بأنكِ ستصبحين أمًّا مربية بالفطرة والطبيعة، مثلما خُيِّل إليك أنكِ ستصبحين زوجةً حكيمةً بالفطرة! وعسى الله أن يرزقك وزوجَكِ الحكمة، وحُسن الصحبة، وأنتِ وإياه في أصلح حال، وأنعم بال، اللهم آمين.

والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وإليه المرجِع والمآب