زوجي يريد أن يعاشرني قبل حفل الزفاف... ؟!
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
تعرَّفْتُ على شخص منذ مدة، وأعجبني؛ حينها تمسُّكه بالدين، رغم بعض الصفات التي لاحظتُها فيه، فهو عنيد جدًّا، وأحيانًا كنت أحسه بخيلًا، ويحب المال، ومرةً أخبرني - كمزحة - أنه يريد زوجةً تُحضِر له راتبها الشهري في أول كل شهر!
المهم رغم بعض الصفات التي لم تعجبني، فإنَّني أحببتُ فيه دينه، عقدنا عقد الزواج وكنت فرحة جدًّا لأنني أحبه، أو بالأحرى تعوَّدتُ على وجوده في حياتي.
أثناء العقد لَم يشترطْ أحدٌ على الآخر أي شرط، ووالديَّ كانا يثقان في، حتى إنهما لم يسألا عن هذا الشخص، فالمهر والهدايا كانا من اختياره؛ ولم ألزمه بشيء، فقد طلبت منه أن يعطيني ما يستطيع، فأنا لا يهمني مالٌ ولا أيُّ شيءٍ، فقط أريد المعامَلة الحسنة.
ورغم أننا كنَّا جادِّين في علاقتنا، فإنه طلب مني ألا يَحضُر أحدٌ العقد، يريد أقلَّ عددٍ ممكن من العائلة! فوافقته لأننا اتَّفقنا على حفل الزفاف فيما بعدُ.
بعد العقد مُباشرةً أراد منِّي أن أذهب لبيته؛ لأنني زوجته، فطلبتُ منه أن نتركَ الدُّخلة إلى بعد الحفل، فرأيت وجهًا آخر له، فقاطعني وهددني، وقال: إما أن تأتي إلى بيتي، وإما لا أريدك، فتحدث معه والدي ولكن أيضًا دون جدوى.
ثُم أُصِبتُ بمرضٍ فكلَّمه والدي، وطلب منه أن يفكرَ في الأمر، وأن يوافق على الحفل، ونحن سنتكلَّف جميع المصارف، لكن دون جدوى!
أخبره والدي أنني مريضة فلم يتصل للاطمئنان، فاتصلت به وأخبرته إما أن يقيمَ حَفْلاً أو نفترق!
فكتب لي رسالة أخبرني فيها أنني أهنته برفضي الذهاب معه، وكرامته أهم من أي شيء، وأنني زوجةٌ عاقةٌ، ولا نريد أن ندخل في طريق المحاكم، ثم إن الله لم يقل عن حفل الزفاف في كتابه، ثم طلَب مني أن نتفقَ على لَوازِم الطلاق.
أرسلت له فتاوى عدة وجدتها في الإنترنت عن الأعراف، وعن حفل الزفاف، لكنه لا يريد سماع أي شيء.
أنا ما زلتُ أحبه، رغم طباعه التي ظهرتْ بعد العقد، وفي نفس الوقت أخاف أنْ أنفصلَ عنه، وأندم بعدها، لكن أيضًا لا أستطيع أن أذهب عنده بدون حفل الزفاف، فهل أنا فعلًا زوجة عاقة؟ وبماذا تنصحونني؟
جزاكم الله خيرًا
الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن الحياة الزوجية لا تكادُ تخلو من مشاكلَ وعنتٍ، يمكن التغلبُ عليه بالمعاملة الحسنة والحكمة، والبعد عن التعنُّت في الأمور، والعفو والتَّنازُل، واحتساب الأجر عند الله - عز وجل - مع الحرص على أن يسودَ جوٌّ من الحبِّ والتفاهم، ولا يجوزُ أن تكونَ نيةُ الإيذاءِ والإعناتِ عنصرًا من عناصر الحياة الزوجية، على العكس - تمامًا - فالإيمان بالله واليوم الآخر، والصبر، والتجمُّل، والمحاولة، والرجاء يرفع النفوس عن الإِحَن والضغن، ويوسع من آفاق الحياة، ويمدها وراء الحاضر الواقع الصغير.
ولتعلمي - أيتها الأختُ الكريمة - أن من الحكمة والعقل أن يُراجع الزوجان سلوكهما مع بعضهما، في إطارٍ من العفو والصفح؛ فكم من زيجات فُصِلتْ عُراها بسبب عناد الزوجين، أو تشبُّثِ كلِّ واحدٍ برأيه، والرغبةِ في أن يُقِرَّ المخطئُ بخطئه، ولا شك أن الشيطان يعمِّق تلك المشاعرَ لدى الآخر، وقد ذكرتِ أن الحبَّ متوفِّرٌ بينكما، وأنكِ ترتاحين لكثيرٍ من صفاته، ولكن الخلافاتِ - ومع شديد الأسف - تَدفِن المحاسن، وتُبرِزُ المساوئ التي لا يسلم منها أحدٌ، فحاولي إرضاء زوجك، وتنازلي عن الحفل، وابحثي عن الأسلوب الأمثلِ في التعامُل معه، وحافظي على رابطة الزوجية التي اهتم بها الإسلام، وحَرَصَ على أن تَظَلَّ في أحسن حال من المودة والتراحُم، ولذلك شَرَعَ من الآداب والمبادئ ما هو كفيلٌ بتحقيقِ هذا الغرض، فأمر - سبحانه - بحسن العشرة بين الزوجين، وأن يَعرِف كلٌّ منهما للآخر مكانتَه، ويؤديَ إليه حقوقه؛ قال الله - سبحانه -: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، وقال: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228].
واحرصي على إشاعةِ جوِّ الاحترامِ المتبادَلِ، والتفاهم فيما قد يطرأُ من المشكلات، والتغاضي عن الزلات التي لا يسلم منها أحدٌ، وعودي نفسك من الآن على عدم الحرص على استيفاءِ الحق، وعلى التنازُل والعفْو عما سبق منه، وأكثري من دعاء الله - تعالى - أن يُصلِح بينَكما، ويصلح لك زوجك، بذلك تدوم العشرة، وكانت العربُ تقول: إذا عزَّ أخوك فهُن؛ أي: إذا عَاسَرَكِ فياسريه، ولايِنِيه، فَبِالمُداراة تُساسُ الأمورُ، فتكلمي إليه، وأخبريه برغبتك في استمرار الحياة، وتفاهمي معه في ظلِّ ما ذكرناه لك، فإن شعرتِ بصَدٍّ منه، أو غير ذلك، فيمكِنُكِ أن تُوَسِّطي بعضَ أهلِ الفضلِ والخيرِ؛ ليُصلِح بينَكما.
وأسأل الله أن يجمع بينكما على خير،، آمين.