سؤال موجع اجتاحني وأنا أقرأ رسالة من إحدى الأخوات الكريمات تبث شكواها ، وتبحث عن حل ؟ تبحث عن مخرج
؟ بعد أن حفيت قدماها من السعي وراء خلاصها ، وراء طلاقها ، وعودتها إلى الحياة من جديد ؟!
آلاف النساء بيننا يتعرضن لهضم حقوقهن ، ويحرمن الحياة الكريمة التي شرعها لهن ديننا الإسلامي ، وحفظ لهن
حقوقهن وكرامتهن ومالهن وماعليهن .
لكن الواقع المعاش يختلف في بعض جوانبه عن القيمة المكتوبة التي لاتعاش ! .
ولنضرب أمثلة على هذا بقصة الأخت ؟؟؟؟ ....
تطلق هذه المرأة ، وتعود إلى بيت أهلها كسيرة خائبة محبطة بعد تجربة فاشلة ، ومغامرة مع رجل لاتعرفه ولايعرفها ، كانت تحلم بأن تبني بيتا ، وتكون أسرة وعاشت هذا الحلم الجميل أياما وليالي ، ودخلت قفص الحياة الزوجية الحديدي ، أو لنقل جحيم الحياة الزوجية في مثل حالة هذه الأخت المطلقة التي قرأتُ معاناتها بتأثر شديد ، تزوجت ابن الحمولة ، وولد العائلة الفلانية التي تملك وتملك ، وسمعتها تملأ الفضاءات العائلية المحيطة ، ولكنها تفاجأ بأن الشاب ابن الأثرياء الذي يظهر بمظهر خادع براق غير صادق ولا أمين في ما يجتهد في الظهور به أمام الناس ؛ فهو في الحقيقة وبعد الغوص بعمق في تجربة الحياة الزوجية : بخيل ، ومتغطرس ، وقاس ، وفاسد ، ويضربها ، ويستخدم أساليب متعددة في إيلامها معنويا وجسديا ، ولايملك أي قدر من التهذيب مع المرأة في انتقاء أو اختيار الكلمات المناسبة في المخاطبة ؛ فتجري على لسانه كلمات نابية مثل : ياهيه ، ياحيوانة ، يازفتة ، يادابشة ، ياغبية ، يابهيمة ، يابنت الكلب ، ....... الخ من كلمات السوء والفحش ، وربما وقر في وجدانه أن هذه المرأة الجديدة الدخيلة على العائلة ليست إلا واحدة جديدة تضاف إلى طابور الخدم والحشم ؛ فكان تعامله فضا وقاسيا ، وغير مبال بها زوجة وأم أولاد في قادم الأيام والسنين إن سارت بهم قافلة الحياة الزوجية في مسارها الصحيح .
أنجبت ؟؟؟ ابنا وحيدا ، ثم توقفت بعد أن تأكدت أن زوجها سادر في غيه وفساده ، وأن أمر عودته إلى الجادة غير واضح ، وكانت تمني نفسها بين حين وحين بأن سلوكه وصلفه وقسوته ليس إلا نزوة شاب طائش ؛ بيد أن الزمن امتد بهما تسع سنين دون بوادر صلاح تذكر ، ودون أن يغير الزوج المتجبر المستكبر طريقته معها ومسلكه في الحياة ، استعانت بوالدها بعد أن فاض بها الكيل وطالت بها المدة ، فرفعت بتأييد من أبيها بعد بحث طويل مع الزوج وأهله دعوى تطلب فيها الطلاق ...
وهنا بدأت فصول أخرى من مأساتها ؛ فالزوج يماطل ، ويحضر جلسات ولايحضر أخرى ، وتطول الأشهر ، وهي لاهي زوجة ولاهي حرة من قيود زوج لايقوم بحقوقه ، وبعد ضغوط شديدة وطول مراجعات استخلص القاضي من الزوج طلقة واحدة ودونت رسميا ، ولكن ... ؟ تظل أيضا في ذمة زوجها ؛ فقد بقي لها طلقتان ؟! والزوج غير مبال ، ويريد ابنه أيضا معه ؟ وهي متعلقة أشد التعلق بابنها ، وزوجها لايدفع نفقة لا لها ولا لابنها ؟!!
؟؟؟ الآن معلقة ؛ وليست مطلقة ؛ بمعنى أنها لازوجة ولاحرة تبحث عن نصيبها في زواج آخر جديد قد يعوضها عن
تجربتها الأولى الفاشلة ؟!
من ينصفها ؟ ويغتصب بقية حقوقها من زوجها المستبد : القاضي ؟ أم والدها ؟ أم جمعية حقوق الإنسان ؟!
إن قصة أم " ...... " ليست إلا واحدة من آلاف قصص النساء المضطهدات في بيوت صامتة ، فليست كل امرأة قادرة على البوح ، أو الذهاب إلى المحاكم ومواجهة التعقيدات الإدارية المعروفة في دهاليز القضاء ؟ وليست كل امرأة تجد أبا قويا يقف معها ويساندها إلى أن تنال حقوقها أو بعضا من حقوقها ؟ .
آلاف المطلقات يقبعن في البيوت صامتات لايجدن فرصة واضحة في زواج ثان ، آلاف النساء المعلقات اللائي لم ينلن حريتهن كاملة من زواج سابق فاشل ، آلاف البنات العانسات اللائي لم يطرق الحظ أبوابهن ؛ بسبب هيمنة العادات والتقاليد وأساليب الخطوبة البالية ، وهن بين قلق وخوف مستبد من توحش الزمن وسرقته نضارتهن
وشبابهن وفوات فرصة الحياة الزوجية والإنجاب والأمومة ؟! .
آلاف القصص والمواجع تنام عليها سجلات المحاكم ، ونساء يذرفن الدموع السخية في صمت لم يجدن النصير ولا المعين الذي يمنحهن الحرية من زواج لم يصمد أمام الحقائق المرة المتكشفة ؛ فبقين معلقات معذبات ، وحتى من نلن شرف الحرية من قصة زواج لم ينجح يترددن في الدخول من جديد في تجربة أخرى ؛ لأن التجربة الأولى تلقي بظلالها البائسة على كل المستقبل ، وكأن الرجال في تصورها كلهم هكذا ، معذبون ، مشقون ، نكدون ، متسلطون ، أجلاف ، جفاة ، بخلاء ، فاسدون ، إلى ماهنالك من الصفات السلبية التي قد تفاجأ بها المرأة من بعض الرجال لاكلهم .
بنات أصبحن نساءً ينتظرن في الطابور الطويل دون زواج ، يجري بهن الزمن الخادع عدو المرأة اللدود الذي يظهر لهن في كل سنة ما يخيف ويقلق من آثار تقدم العمر فيزداد الخوف بهن استبدادا ، وتزداد الحياة بهن ضيقا وبؤسا !! .
من ينصف المرأة في مجتمع يعتقد أن الحق دائما مع الرجل ، وأن المرأة " العورة " مالها إلا بيت أبيها أو بيت زوجها أو القبر ؟!! .
بقلم: طبيب