زوجي لا يعطيني حقي في الفراش

زوجي لا يعطيني حقي في الفراش




أ. عائشة الحكمي





السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولًا أحبُّ أن أشكركم كثيرًا على مجهوداتِكم الجبَّارة، وعلى مدِّنا بما هو مفيدٌ وجديد، جزاكم الله خيرًا.

تزوَّجتُ منذ عدة سنوات، وانقطعتِ العَلاقةُ الحميميَّةُ بيني وبين زوجي منذ فترة، فأصبحتْ مرةً واحدةً كلَّ خمسة أو ستة أشهر، كنتُ أشعر بالأَلَم وأنا أُقاوِم رغبتي فيه! فإذا اقتربتُ منه يتعلَّل بالتعَب، وعُذرُه في ذلك أنه يُعاني ضعفًا في الانتِصاب، فلم أكنْ أعيد عليه طلبي؛ دفْعًا للحرَج، وحتى لا أجرحَ مشاعِره، فإذا جاء هو بنفسِه استقبلتُه بلهفةٍ وشوقٍ كبيرينِ.
اكتشفتُ أنه شاذٌّ جنسيًّا؛ إذ علمتُ أنه يتصفَّح مواقِعَ المثلِيِّين، ثم يأتي بعدها لمُعاشَرتي وهو بصحَّةٍ جيدة! أصبحتُ أشكُّ فيه، ولا أستطيع مواجهته بذلك، ولا أدري لمن ألجأ، ولا أدري ماذا أفعل؟

الجواب
بسم الله الموفِّق للصواب
وهو المستعان

أيتها العزيزة، لا تقوم الحياةُ بين الزوجَيْنِ إلَّا على المعروفِ، هذا هو المعنى اللطيفُ المذكورُ في القرآن المجيد، ونبَّه عليه شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة - رحمه الله تعالى، ورضي عنه - في قوله في "الفتاوى الكبرى": "التراضي بالمعروف، والإمساك بالمعروف، والتسريح بالمعروف، والمعاشَرة بالمعروف، وأنَّ لهن وعليهن بالمعروف؛ كما قال: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233]؛ فهذا المذكورُ في القرآن هو الواجب العدل في جميع ما يتعلَّق بالنكاح من أمور النكاح وحُقوق الزوجين؛ فكما أنَّ ما يجب للمرأة عليه من الرزق والكسوة هو بالمعروف؛ وهو العرف الذي يعرفه الناس في حالهما نوعًا وقدرًا وصفةً، وإن كان ذلك يتنوَّع بتنوُّع حالهما من اليسار والإعسار، والزمان؛ كالشتاء والصيف، والليل والنهار؛ والمكان فيطعمها في كلِّ بلد مما هو عادة أهل البلد، وهو العُرف بينهم، وكذلك ما يجب لها عليه مِنَ المتعة والعِشْرة، فعليه أن يَبِيتَ عندها، ويطَأَها بالمعروف، ويختلف ذلك باختلافِ حالها وحاله، وهذا أصحُّ القولَيْنِ في الوطء الواجب أنه مقَدَّر بالمعروف؛ لا بتقدير من الشرع".
وبهذا يُعلم أن بلوغ لذة الجماع وقضاء الوطَر حقٌّ يلزم الوفاء به للزوجَيْنِ معًا، بحسب حاجة كلٍّ منهما إلى الإشباع الجنسيِّ والعاطفي؛ ومِن أحسن ما قرأتُ في هذا الباب، ما ذكرَه ابنُ القيِّم - رحمه الله تعالى ورضي عنه - في "رَوْضَةِ المحبِّين" - ولخَّصه ابن أبي حجلة في "ديوان الصبابة" بقوله -: "اختلف الفقهاء: هل يجب على الزوج مجامعة امرأته؟ فقالتْ طائفةٌ: لا يجب عليه ذلك؛ لأنه حق له، فإن شاء استوفاه، وإن شاء ترَكه، بمنزلة من استأجر دارًا، إن شاء سكنها، وإن شاء ترَكها! وهذا مِنْ أضعف الأقوال؛ لأن القرآن والسنة والعرف والقياس يردُّه، أما القرآن فإن الله قال - تعالى -: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]...؛ فإذا كان الجماعُ حقًّا للزوج عليها، فهو حق لها على الزوج بنصِّ القرآن، وقال الله - تعالى -: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، ومن ضد المعروف أن يكون عنده شابةٌ شهوتها تعدل شهوته، أو تزيد عليها بأضعاف مضاعفة، ولا يذيقها لذة الوطء مرةً واحدةً، ومَن زعم أن هذا من المعروف كفاه طبعه في الرد عليه، وقالتْ طائفة: يجب عليه أن يطأها في كل أربعة أشهر، وتخيَّر المرأة بعد ذلك؛ إن شاءتْ تقيم معه، وإن شاءتْ تفارقه، فلو كان لها حقُّ في الوطء أكثر مِن ذلك لم يجعل للزوج تركه في تلك المدة، وهو أمثل القولين مع ما فيه، وقالتْ طائفة: يجب عليه أن يطأها بالمعروف كما ينفق عليها، ويكسوها ويعاشرها بالمعروف، قالوا: وعليه أن يشبعها وطأً إذا أمكنه، كما عليه أن يشبعها قوتًا"، وكان ابن تيميَّة يرجِّح هذا القول ويختاره، قاله تلميذُه ابن قيم الجوزية، وقد حضَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على استعمال هذا، ورغَّب فيه، وعلَّق عليه الأجر، وجعله صدقةً لفاعله؛ فقال: ((وفي بُضْع أحدكم صدقة))؛ رواه مسلم، ففي هذا كمالُ اللذة، وكمال الإحسان، وحصول الأجر، وفرح النفس، وذهاب أفكارها الرديئة عنها، وخفة الروح، وذهاب كثافتها وغلظها، وخفة الجسم، واعتدال المزاج، وجلب الصحة، ودفع الموادِّ الرديئة، فإن صادف ذلك وجهًا حسنًا، وخلقًا دمثًا – أي: سهلًا - وعشقًا وافرًا، ورغبة تامة، واحتسابًا للثواب، فتلك اللذة التي لا يعادلها شيءٌ، ولا سيما إذا وافقتْ كمالها؛ فإنها لا تكمل حتى يأخذ كل جزء من البدن بقسطه مِن اللذة، فتلتذ العين بالنظر إلى المحبوب، والأذُن بسماع كلامه، والأنف بشمِّ رائحته، والفم بتقبيله، واليد بلمسه، وتعتكف كل جارحة على ما تطلبه من لذاتها، ويقابله المحبوب بنظير ذلك، فإن فُقِد مِن ذلك شيءٌ لم تزل النفس مُتطلعةً إليه، متقاضيةً له، فلا تسكن كل السكون، ولذلك تسمى المرأة: سكنًا؛ لسكون النفس إليها".
فالواجب إذًا على كلا الزوجين عدم التهاون في هذا الحق؛ لأن النتائج المترتبة على التقصير فيه تؤثِّر سلبًا على نفسية الزوج، وأخلاقه ودينه! إذ يقود الحرمان العاطفي والجنسي إلى الانحرافات الجنسيَّة، واستنزال الشهوة من غير الأزواج، وربما الوقوع في الكبيرة! ولذلك لا يكون سكوتكِ عن تقصير زوجكِ في الباءة نوعًا من الوفاء والصلاح، أو المودة والمراعاة! فهذا حقكِ، ولك استيفاؤه، ولو اضطركِ الأمر إلى أن ترفعي زوجكِ إلى القاضي! ولكني بلا ريب لا أحب ذلك؛ ثقةً مني بمهارات الأنثى الفطريَّة والمكتَسَبة، وما زيَّنه الله في قلوب الرجال من حبِّ النساء! فلِمَ لم تستعملي فطرتكِ بشكل صحيح؛ لإشباع رغبتكِ الفطرية على نحو صحيح؟!
سنوات مرَّتْ من عمر زواجكِ، وما زلتِ تتعامَلين مع زوجكِ كالجارية المستأجَرة لخدمة سيدها؟! لقد قصَّر زوجكِ في إرضائك جنسيًّا وعاطفيًّا، وقصَّرتِ معه في الحِوار لمعالَجَة الأمر، مستسلمة في ذلك لحجته الداحضة! ففي "صحيح مسلم": ((لكل داء دواء, فإذا أصيب دواءُ الداءِ بَرَأَ بإذن الله))، وللعجز الجنسيِّ دواء، وصدِّقيني لو كنتِ أنتِ المقَصِّرة في إشباع زوجكِ، لتزوَّج الثانية والثالثة والرابعة بدون أن يُفَكِّر في شعوركِ لحظةً واحدة، بل سيحتجُّ بمرضكِ ليتزوَّج!
على أية حال، سأعود لعلاج هذه المشكلة عند التعقيب على مشكلات زوجكِ الخاصة:
أولاً: الاضطراب الوظيفي للانتصاب:
يحدث الانتصابُ عند الرجل بطريقتين:
1- الانتصاب النفسي: ويحدث نتيجة التفكير أو النظر، فيعطي المخُّ إشاراتٍ للأعصاب الموجودة في فقار الظهر، فيتدفق الدمُ إلى النسيج الإسفنجي للذَّكَر، فينتشر.
2- الانتصاب التفاعلي: ويحدث بسبب استثارة المواضع الحسيَّة باللمس والملاعبة، فترسل الإشارات إلى فقار الظهر، ومنها إلى المخ، فتحدث الاستجابة بالانتصاب.
وسواء تمَّ الانتصاب بتأثير العامل النفسيِّ أم التفاعلي، فلا بدَّ لحدوثه مِن جهاز عصبي سليم، ومن كلامكِ بشأن نظر زوجكِ إلى المواقع الشاذَّة، ثم مجامعتكِ بعدها ما يدل على سلامة جهازه العصبي، وأن الانتصاب يحدث لديه بتأثير العوامل النفسية؛ أعني: "النظر الشيطاني إلى الصور المحرَّمة"، أما الانتصاب التفاعلي فالمفترض أن يحصلَ من خلال التمرير باليد والملاعبة! فإن كان لا ينتشر للإيلاج تفاعلًا مع ملاعبتكِ؛ دلَّ ذلك على وجود اضطرابٍ وظيفيٍّ عضويٍّ؛ بسبب الإصابة بأحد الأمراض التي تؤثِّر عادةً في الأجهزة المسؤولة عن الانتصاب؛ مثل:
1- انسداد أو تصلب الشرايين المغذِّية للذكَر، ويصحب هذا التصلب مَرْضَى السُّكَّري، وضغط الدم المرتفع، كما ينشأ عن التدخين، ومعاقَرة الخمر، وإدمان المخدرات، والسمن.
2- إصابة الأعصاب المغذِّية للذَّكَر؛ بسبب أورام المخ والنُّخاع الشوكي، أو نتيجة لوجود إصابات في العمود الفقري، أو لاستئصال أورام المثانة والمستقيم.
3- الضعف العام.
4- الفشل الكُلَوي.
5- مرض القلب.
6- السُّل الرِّئوي.
7- تناول الأدوية التي يتولد عنها ضعفُ الانتصاب؛ مثل: أدوية الضغط المرتفع، وأدوية تنظيم خفَقان القلب.

أمَّا العوامل النفسية التي تؤثِّر في قوة الانتصاب، فيقسِّمها الدكتور أحمد جاد إلى قسمين في كتابه القيم "النفس ومتاعبها":
أ- أسباب ظاهرة؛ تحدث كردَّة فعل لضغطٍ عصبي معين.
ب- وأسباب كامنة في الواعية الباطنة "العقل الباطن"، ترتبط بما كوَّنه الفردُ مِن مشاعر سلبية تجاه العمليَّة الجنسيَّة.
ثم يلخص د. جاد الأسباب النفسيةَ الفوريَّة التي تتحكم في قوة الانتصاب في النقاط الآتية:
• الجهل الجنسي، وعدم معرفة المواضع الشبقيَّة في الجسد، واعتبار الجنس مجرد عملية وظيفية، يتم فيها إيلاجُ الذَّكَر في الأنثى.
• الشعور بالذنب لمجرد التفكير في الجنس.
• الخوف من الفشَل الجنسيِّ، والذي يتصوَّره البعضُ وكأنه واقع لا محالة، ويتضاعف هذا الخوفُ عندما يطلب من الزوج مُعاودة الجماع.
• الشعور بعدم تقبُّل الزوجة.
من هنا ينبغي مراجعة طبيب مختص في الضعف الجنسيِّ؛ لتحديد نوع الاضطراب الوظيفي للانتصاب عند زوجكِ، هل هو نفسي المنشأ؟ أو عضوي؟ فإن كان السببُ عضويًّا فلا بد مع الأخْذ بنصائح الطبيب المعالج - من استشارته في التداوي بالعلاجات التي اقترحتْها مؤسسةُ مايو للأبحاث الطبية والتثقيفية لعلاج الضعف الجنسي؛ ومنها:
أولًا: تناول أحد الأدوية الموصوفة لعلاج ضعف الانتصاب؛ مثل: الفياغرا؛ حيث تعمل هذه الأدويةُ على زيادة إفراز أكسيد النيتريك؛ وهو مركَّب كيميائيٌّ أساسيٌّ، يُفرَز بشكلٍ طبيعيٍّ في جسم الرجل عندما يُستثار جنسيًّا، فتسترخي الأوعيةُ الدمويةُ في الذَّكَر، وتتسع بما يسمح بزيادة تدفق الدم، ومن ثَمَّ تصلب الذَّكَر وانتشاره.
ثانيًا: تمرين كيجل للرجال Kegel exercises:
يهدف هذا التمرين إلى تقوية عضلات قاع الحوض التي تُدَعِّم المثانة، وتؤثِّر بشكل رئيس على الوظيفة الجنسيَّة، ويُمكن القيام بهذا التمرين عند الاسترخاء على الأريكة، أو أثناء قيادة السيارة باتباع النقاط التالية:
• معرفة وتحديد موضع عضلات قاع الحوض، وهي تلك العضلات التي تستعمل في حبس الرِّيح والبَوْل.
• بعد إفراغ المثانة من البول، يستلقي زوجكِ على ظهره، ثم يبدأ بتقليص عضلات الحوض لثلاث ثوان، ثم يرخيها لثلاث ثوان، مع الحرص على التنفُّس بشكلٍ طبيعيٍّ، وعدم ثني عضلات البطن أو الفَخِذ أو العَجُز، ويكرِّر هذا التمرين عشر مرات في الجلسة الواحدة، حتى تقوى عضلات قاع الحوض، ثم له بعد ذلك أن يؤديه جالسًا أو واقفًا أو ماشيًا.
• يكرر تمرين كيجل ثلاث مرات في اليوم، أثناء القيام بالمهام الروتينية اليومية؛ كتنظيف الأسنان.
ثالثًا: استعمال مضخة الذَّكَر Penis Pump:
وهي عبارة عنْ أُسطوانة بلاستيكية تستوعب الذَّكَر كله، ولها مضخَّة يدوية، أو ميكانيكية، تقوم بسحب الهواء؛ فينجذب الدمُ إلى الذَّكَر؛ فيحتقن، وينتَشِر.
رابعًا: التداوي بهرمون التستوستيرون:
يُساعد هرمون التستوستيرون على زيادة الرغبة الجنسيَّة عند الرجل، وتحسين مستوى الطاقة لديه، وإنتاج الحيوانات المنوية.
أمَّا إذا كان السببُ عائدًا إلى العوامل النفسيَّة، فبالإضافة إلى أهمية "تمرين كيجل"، فلا بد مِن مُراجَعة مُعالج نفسيٍّ، مع أهمية دعمكِ لزوجكِ نفسيًّا وعاطفيًّا وجنسيًّا، من خلال التدرب على إثارة المواضع الشبقية في جسد الرجل؛ ومن أهمها:
1- الشفتان وأسفل الشفة السُّفلى.
2- العنق: مؤخر العنق، وأسفل تفاحة آدم، والترقوة.
3- الحلمتان.
4- الساعدان.
5- أسفل الظَّهْر.
6- باطن الفخذَيْن.
7- العجان: ما بين الخصية والدبُر.
8- رأس القضيب.
وكذلك الاهتمام بطِيبكِ وزينتكِ وهيئتكِ ولبسكِ؛ لأنَّ شهوة القلب - كما يقول العلماء - ممتزجة بلذَّة العين، وكذلك العناية البالغة بغرفة النوم، والحرص على نظافتها، وإضفاء اللمسات الحميمية؛ مِن وردٍ، وشموعٍ، وزيوتٍ عطرية إليها، مما يشجِّع على هدوء النفس، وإثارة القلب، وإيقاع الوطء.
ولا تنسي مُصارحة زوجكِ بما تحبِّينه على فراشه مِن أمور الملاعبة والمداعبة، فليس في الأمر ما يُستحيى منه! فهذا زوجكِ، وإن أنتِ لم تستمتعي به لم يحصلْ لكِ المقصود من الزواج! وليس يحسن التذرُّع بالضعف الجنسيِّ، وأنتِ تعلمين أن الإشباع الجنسيَّ يأتي بغير الإيلاج! وهذا الذي ينبغي أن تهتمِّي به، وتُشَجِّعي زوجكِ على القيام به!
ثانيًا: مشاهدة مواقع المثليين:
ليس مِن السهل أن نحكمَ على الشخص بالشذوذ الجنسيِّ لمجرد أنه يتصفَّح موقعًا للشذوذ، أو مشاهدة أفلام، أو صور إباحيَّة، ولكن في حالة زوجكِ الذي لا يشتهيكِ! وبالنظَر إلى عدد مرات اللِّقاء الحميميِّ التي تبلغ مرةً كل خمسة أو ستة أشهر! ثم مُجامعتكِ بعد مشاهدة تلك المواقع لإفراغ ماء الشهوة وحسب! فعلى الأرجح أنَّ لدى زوجكِ ميولًا جنسية شاذَّة! والله المستعان! ولكن حين أقول: إنَّ لدى زوجكِ ميولًا شاذَّة، فإني لا أَعنِي بذلك أنه يعمل عملَ قومِ لوط! أنا لم أقلْ ذلك! ولا أتَّهم أحدًا بدون علمٍ، فلا أنا ولا أنتِ ولا الذين يقرؤون كلامنا قد رأينا زوجكِ يفعل الفاحشة! من هنا ينبغي التفريق في علاج المشكلة، فإن كنتِ أبصرتِ زوجكِ يلاوط رجلًا - والعياذ بالله - فبالتأكيد لا يحل لكِ البقاء معه؛ لأنه نجس! "قال مجاهد: لو أن الذي يعمل ذلك العمل - يعني عمل قوم لوط - اغتسل بكل قطرة في السماء، وكل قطرة في الأرض لم يزل نجسًا"؛ "روضة المحبين"؛ لابن القيم، والله يقول: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾ [النور: 26]، أما إذا توقفتْ معرفتكِ على أنه يُشاهد المواقع الشاذَّة؛ فهذا الذي سيأتيكِ جوابي عليه - إن شاء الله.
كنتُ قد أجبتُ على استشارةٍ مشابهة لم تُنشَرْ حتى كتابة هذا الجواب، أشرتُ فيها على الأخت المستشيرة بعدم مُواجهة زوجها بما اكتشفتْ مِن أمره، لكَوْن العلاقة الحميمية بينهما مرضية جدًّا لكليهما، أما في حالتكِ أنتِ - حيث الضررُ الواقع عليك كبير جدًّا - فأرى هنا أهمية مُواجهة زوجكِ مشافهةً، ولكن بأسلوبٍ لطيف، يحمله على الاعتراف ومراجعة الذات، فإن كنتِ تجدين صعوبة في مُواجهة زوجكِ، فاكتبي له رسالة على مستند word، بعد أن تكوني قد دبَّرتِ في نفسكِ ما تريدين قوله له، على ألا تُصاغَ هذه الرسالة في صورةِ اتهام أو تهديدٍ، بل تُكتب بكلامٍ رقيق نابعٍ من القلب إلى القلب؛ رغبةً منكِ في مساعدة زوجكِ ومساعدة نفسكِ، واذكري له حَجْم حبكِ، ومدى تأثير تلك الأمور على عَلاقتكما الحميميَّة، ثم اتركيها مفتوحةً أمام الموقع الذي اكتشفتِ أنه يتصفَّحه؛ كي تكون الرسالة مدعمةً بالدليل، وهنا ستكونين أمام احتمالين: إما إنكار زوجكِ، و(قد) يصحب ذلك الإنكار شيء مِن العنف الجسدي أو اللفظي! أو أن يعترف لكِ ويعتذر ويعدكِ بترك هذه المحرمات!
في الحالتين؛ ينبغي احتواء زوجكِ والصبر عليه، فهو في الغالب قد تعرَّض لاعتداء جنسيٍّ في طفولته، ويُمكنكِ سؤاله عنْ هذا الأمر، والإصغاء إليه بمحبةٍ وعطفٍ ورقة قلب، مع محاولة إقناعه بأهمية العلاج النفسيِّ عند معالجٍ أو طبيب نفسيٍّ.
مِن المهم كذلك - في حالة الاعتراف بالميول الشاذة - أن تُشعِري زوجكِ بالأمان والاطمئنان على كتمان سرِّه، وعدم تهديده بافتضاح أمره، مهما ساءتْ أخلاقُه أو تعامله معكِ، واطلبي منه أن يَعرِض عليكِ حلوله المقترحة لعلاج هذه المشكلة، وشجِّعيه على اتباعها، وبالتأكيد لا أنسى مسألة تذكير زوجكِ بالله - عز وجل - وتخويفه من عقابه.
ثم امنحيه الوقتَ الكافي للمراجعة والتصحيح، والتوبة إلى الله - عز وجل - مِن النظر الشيطانيِّ إلى المُرْدِ والصوَر غير المباحة، وعلاج عجزه الجنسي، مع صِدْق اللجوء إلى الله - سبحانه وتعالى - أن يصلحَ حال زوجكِ، ويهديه، ويشفيه، ويتوب عليه، ويقر عينه بكِ، ويقر عينكِ به، فإن كتَب الله له الهداية، وصلح حاله؛ وإلا فالفراق خيرٌ لكما من الإمساكِ على ما يغضب الله وملائكته؛ وتذكَّري أنكِ إلى رجل يعفكِ أحوجُ من زوجكِ إلى امرأة لا يريدها لعفافِ نفسه!

والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب